الخامس قوله تعالى " ونفس وما سويها فألهمها فجورها وتقويها " وهذه الآية صريحة في وجود النفس موصوفة بالادراك والتحريك معا، لان الالهام عبارة عن الادراك، وأما الفجور والتقوى فهو فعل، وهذه الآية صريحة في أن الانسان شئ واحد وهو موصوف بالادراك والتحريك، وهو موصوف أيضا بفعل الفجور تارة وفعل التقوى أخرى، ومعلوم أن جملة البدن غير موصوف بهذين الوصفين، وليس في البدن عضو واحد موصوف بهذين الوصفين، فلا بد من إثبات جوهر واحد يكون موصوفا بكل هذه الأمور.
السادس قوله تعالى " إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا " فهذا تصريح بأن الانسان شئ ء واحد وذلك الشئ الواحد هو المبتلى بالتكاليف الإلهية والأمور الربانية، وهو الموصوف بالسمع والبصر، ومجموع البدن ليس كذلك، وليس عضو من أعضاء البدن كذلك، فالنفس شئ مغائر جملة البدن ومغائر أجزاء (1) البدن وهو الموصوف بهذه الصفات.
واعلم أن الأحاديث الواردة في صفة الأرواح قبل تعلقها بالأجساد وبعد انفصالها من الأجساد كثيرة، وكل ذلك يدل على أن النفس غير هذا الجسد، والعجب ممن يقرأ هذه الآيات الكثيرة ويروي هذه الأخبار الكثيرة ثم يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وما كان يعرف ما الروح! وهذا من العجائب.
ثم استدل بهذه الآية التي بصدد تفسيرها على هذا المذهب، وتقريره: أن الروح لو كان جسما منتقلا من حالة إلى حالة ومن صفة إلى صفة لكان مساويا للبدن في كونه متولدا من أجسام اتصفت بصفات مخصوصة بعد أن كانت موصوفة بصفات اخر، فإذا سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح وجب أن يبين أنه جسم كان كذا ثم صار كذا وكذا حتى صار روحا، مثل ما ذكر في كيفية تولد البدن أنه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة، فلما لم يقل ذلك بل قال " إنه من أمر ربي " بمعنى أنه لا يحدث ولا يدخل في الوجود إلا لأجل أن الله تعالى قال له " كن فيكون " دل ذلك على أنه جوهر ليس