وروى شاذان بن جبرئيل - رحمه الله - في كتاب الفضائل عن أصبغ بن نباته قال: إن سلمان - رضي الله عنه - قال لي: اذهب بي إلى المقبرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي: يا سلمان! سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك. فلما ذهبت به إليها ونادى الموتى أجابه واحد منهم، فسأله سلمان عما أرى من الموت وما بعده فأجابه بقصص طويلة، وأهوال جليلة وردت عليه - إلى أن قال -: لما ودعني أهلي وأرادوا الانصراف من قبري أخذت في الندم فقلت: يا ليتني كنت من الراجعين!
فأجابني مجيب من جانب القبر: كلا! إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا منبه أنا ملك وكلني الله عز وجل بجميع خلقه لأنبههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عز وجل، ثم إنه جذبني وأجلسني وقال لي: اكتب عملك، فقلت: إني لا أحصيه. فقال لي: أما سمعت قول ربك " أحصاه الله ونسوه " ثم قال لي: أكتب وأنا أملي عليك فقلت:
أين البياض؟ فجذب (1) جانبا من كفني، فإذا هو ورق فقال: هذه صحيفتك، فقلت:
من أين القلم؟ فقال: سبابتك، قلت: من أين المداد؟ قال: ريقك، ثم أملى علي ما فعلته في دار الدنيا، فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة إلا أملاها كما قال تعالى " ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (2) " ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت له: يا منبه!
ولم تفعل بي كذا؟ قال: ألم تسمع قول ربك " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (3) " فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وكتابك بين عينيك منشورا تشهد فيه على نفسك. ثم انصرف عني - تمام الخبر -.