ونهارا لا ليلا، والقتلى مطرحين على وجه الأرض، فذكرت لخبثي وشقائي التكة فقلت: والله لأطلبن الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فاخذها ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين عليه السلام فوجدته مكبوبا على وجهه وهو جثة بلا رأس، ونوره مشرق مرمل بدمائه، والرياح سافية عليه، فقلت: هذا والله الحسين فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها فدنوت منه، وضربت بيدي إلى التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة فلم أزل أحلها حتى حللت عقدة منها فمد يده اليمنى وقبض على التكة فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها فدعتني النفس الملعونة إلى أن أطلب شيئا أقطع به يديه فوجدت قطعة سيف مطروح فأخذتها واتكيت على يده ولم أزل أحزها حتى فصلتها عن زنده، ثم نحيتها عن التكة ومددت يدي إلى التكة لأحلها فمد يده اليسرى فقبض عليها فلم أقدر على أخذها فأخذت قطعة السيف، فلم أزل أحزها حتى فصلتها عن التكة، ومددت يدي إلى التكة لآخذها، فإذا الأرض ترجف والسماء تهتز وإذا بغلبة عظيمة، وبكاء ونداء وقائل يقول: وا ابناه، وا مقتولاه، وا ذبيحاه، وا حسيناه، وا غريباه! يا بني قتلوك وما عرفوك، ومن شرب الماء منعوك فلما رأيت ذلك، صعقت ورميت نفسي بين القتلى، وإذا بثلاث نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف، وقد امتلأت الأرض بصور الناس وأجنحة الملائكة، وإذا بواحد منهم يقول: يا ابناه يا حسين فداك جدك وأبوك وأخوك وأمك وإذا بالحسين عليه السلام قد جلس ورأسه على بدنه وهو يقول:، لبيك يا جداه يا رسول الله ويا أبتاه يا أمير المؤمنين ويا أماه يا فاطمة الزهراء، ويا أخاه المقتول بالسم عليكم مني السلام ثم إنه بكى وقال: يا جداه قتلوا والله رجالنا، يا جداه سلبوا والله نساءنا، يا جداه نهبوا والله رحالنا، يا جداه ذبحوا والله أطفالنا، يا جداه يعز والله عليك أن ترى حالنا، وما فعل الكفار بنا وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه، وفاطمة تقول: يا أباه يا رسول الله أما ترى ما فعلت أمتك بولدي؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي
(٣١٧)