في حال الإجابة، وقالوا: إنه لم يك في تلك الحال بالغا فيقع إيمانه على وجه المعرفة، وإن إيمان أبي بكر حصل منه مع الكمال! فكان على اليقين والمعرفة! والاقرار من جهة التقليد والتلقين غير مساو للاقرار بالمعلوم المعروف بالدلالة. فلم يحصل خلاف من القوم في تقدم الاقرار من أمير المؤمنين (عليه السلام) للجماعة والإجابة منه للرسول عليه وآله السلام، وإنما خالفوا فيما ذكرناه، وأنا أبين عن غلطهم فيما ذهبوا إليه من توهين إفرار أمير المؤمنين (عليه السلام) وحملهم إياه على وجه التلقين دون المعرفة واليقين بعد أن أذكر خلافا حدث بعد الاجماع من بعض المتكلمين والناصبة من أصحاب الحديث.
وذلك أن ههنا طائفة تنسب إلى العثمانية تزعم أن أبا بكر سبق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الاقرار، وتعتل في ذلك بأحاديث مولدة ضعاف، منها أنهم رووا عن أبي نضرة (1) قال:
أبطأ علي (عليه السلام) والزبير عن بيعة أبي بكر، قال: فلقي أبو بكر عليا فقال له: أبطأت عن بيعتي وأنا أسلمت قبلك؟ ولقي الزبير فقال: أبطأت عن بيعتي وأنا أسلمت قبلك؟.
ومنها حديث أبي أمامة عن عمر بن عنبسة قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول ما بعث وهو بمكة وهو حينئذ مستخف، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا نبي، قلت: وما النبي؟ قال:
رسول الله: قلت: الله أرسلك؟ قال: نعم، قلت له: بما أرسلك (2) قال: بأن نعبد الله عز وجل ونكسر الأصنام ونوصل الأرحام، قلت: نعم ما أرسلك به، من تبعك (3) على هذا الامر؟ قال: حر وعبد (4) - يعني أبا بكر وبلالا - وكان عمر يقول: لقد رأيتني وأنا رابع الاسلام، قال: فأسلمت وقلت: أبايعك يا رسول الله ومنها حديث الشعبي قال: سألت ابن عباس عن أول من أسلم، فقال: أبو بكر، ثم قال: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا