إلا ما خصه الاستثناء الذي في نفس الخبر، فمن منازل هارون من موسى أنه كان أخاه ولادة، والعقل يخص هذه ويمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وآله عناها بقوله، لان عليا لم يكن أخاه ولادة (1)، ومن منازل هارون من موسى أنه كان نبيا معه، واستثناء النبي يمنع من أن يكون علي عليه السلام نبيا، ومن منازل هارون من موسى بعد ذلك أشياء ظاهرة وأشياء باطنة فمن الظاهرة أنه كان أفضل أهل زمانه وأحبهم إليه وأخصهم به وأوثقهم في نفسه، وأنه كان يخلفه على قومه إذا غاب موسى عنهم، وأنه كان بابه في العلم، وأنه لو مات موسى وهارون حي كان هو خليفته بعد وفاته، فالخبر (2) يوجب أن هذه الخصال كلها لعلي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله، وما كان من منازل هارون من موسى باطنا وجب أن الذي لم يخصه العقل منها كما خص اخوته بالولادة (3) فهو لعلي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وإن لم نحط به علما، لان الخبر يوجب ذلك، وليس لقائل أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وآله عنى بعض هذه المنازل دون بعض فيلزمه أن يقال: عنى البعض الآخر دون ما ذكرته، فيبطل حينئذ (4) أن يكون عنى معنى بتة، ويكون الكلام هذرا (5)، والنبي صلى الله عليه وآله لا يهذر في قوله، لأنه إنما كلمنا ليفهمنا ويعلمنا، فلو جاز أن يكون عنى بعض منازل هارون من موسى دون بعض ولم يكن في الخبر تخصيص ذلك لم يكن أفهمنا بقوله قليلا ولا كثيرا فلما لم يكن ذلك وجب أنه قد عنى كل منزلة كانت لهارون من موسى مما لم يخصه العقل ولا الاستثناء في نفس الخبر، وإذا وجب ذلك فقد تبينت الدلالة (6) على أن عليا عليه السلام أفضل أصحاب رسول الله وأعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأوثقهم في نفسه، وأنه
(٢٧٤)