يستعملوها مقيدة في غير هذا الموضع إذا قالوا: فلان أولى بمحبة فلان أو بنصرته أو بكذا وكذا منه، إلا أن مع الاطلاق لا يعقل عنهم إلا المعنى الأول.
والوجه الآخر أنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله أراد بما قدمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنه أولى بتدبيرهم وتصريفهم من حيث وجبت طاعته عليهم بلا خلاف، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين عليه السلام في الكلام الثاني جاريا ذلك المجرى، يشهد بصحة ما قلناه أن القائل من أهل اللسان إذا قال: " فلان وفلان - وذكر جماعة - شركائي في المتاع الذي من صفته كذا وكذا " ثم قال عاطفا على كلامه: " من كنت شريكه فعبد الله شريكه " اقتضى ظاهر لفظه أن عبد الله شريكه في المتاع الذي قدم ذكره وأخبر أن الجماعة شركاؤه فيه، ومتى أراد أن عبد الله شريكه في غير الأمر الأول كان سفيها عابثا ملغزا.
فإن قيل: إذا نسلم لكم انه عليه السلام أولى بهم بمعنى التدبير ووجوب الطاعة من أين لكم عموم وجوب الطاعة في جميع الأمور التي تقوم بها الأئمة؟ ولعله أراد به أولى بأن يطيعوه في بعض الأشياء دون بعض، قيل له: الوجه الثاني الذي ذكرناه (1) في جواب سؤالك المتقدم يسقط هذا السؤال، ومما يبطله أيضا أنه إذا ثبت أنه عليه السلام مفترض الطاعة على جميع الخلق في بعض الأمور دون بعض وجبت إمامته وعموم فرض طاعته وامتثال تدبيره، فلا يكون إلا الامام لان الأمة مجمعة على أن من هذه صفته هو الامام.
ولان كل من أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامة في الأمور كلها على الوجه الذي يجب للأئمة ولم يخص شيئا دون شئ، وبمثل هذا الوجه نجيب من قال: كيف علمتم عموم القول لجميع الخلق مضافا إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الأمور ولستم ممن يثبت للعموم صيغة في اللغة فتتعلقون بلفظة " من " وعمومها؟ وما الذي يمنع على أصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من الناس أو جماعة من الأمة قليلة العدد؟ لأنه لا خلاف في عموم طاعة النبي