بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٧ - الصفحة ٢٤٤
وإن كان متى لم يرد ذلك يصح أن يحصل فيما قدمه فائدة، لأنه لا يمتنع أن يريد بما قدمه من ذكر العبد تعريف الصديق ويكون وجه التعلق بين الكلامين أنكم إذا كنتم قد شهدتم بكذا وعرفتموه فاشهدوا أيضا بكذا، وهو لو صرح بما قدمناه حتى يقول بعد المقدمة: فاشهدوا أني قد وهبت له أو رددت إليه عبدي فلانا الذي كنت ملكته منه - ويذكر من عبيده غير من تقدم ذكره - يحسن وكان وجه حسنه ما ذكرناه (1)، انتهى كلامه نور الله ضريحه.
أقول: فإذا ثبت أن المراد بالمولى ههنا الأولى الذي تقدم ذكره والأولى في الكلام المتقدم غير مقيد بشئ من الأشياء وحال من الأحوال فلو لم يكن المراد العموم لزم الألغاز في الكلام المتقدم، ومن قواعدهم المقررة أن حذف المتعلق من غير قرينة دالة على خصوص أمر من الأمور يدل على العموم، لا سيما وقد انضم إليه قوله صلى الله عليه وآله: " من أنفسكم " فإن للمرء أن يتصرف في نفسه ما يشاء ويتولى من أمره ما يشاء، فإذا حكم بأنه أولى بهم من أنفسهم يدل على أن له أن يأمرهم بما يشاء ويدبر فيهم ما يشاء في أمر الدين والدنيا، وأنه لا اختيار لهم معه، وهل هذا إلا معنى الإمامة والرئاسة العامة؟
وأيضا لا يخفى على عاقل أن ما قررهم صلى الله عليه وآله (2) إنما أشار به إلى ما أثبت الله تعالى له في كتابه العزيز حيث قال " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم (3) " وقد

(١) الشافي: ١٣٤ و ١٣٥. وحاصل ما ذكره أخيرا في رد الاعتراض أن ملاك الحسن والقبح ليس وجود الفائدة وعدمها حتى تدعون أن في المثال لو لم يكن المراد من لفظة " عبدي " ثانيا ما تقدم أولا لما كانت لذكرها أولا فائدة وهذا قبيح من المتكلم العاقل، بخلاف الحديث فإنه لو كان المراد من لفظة " مولى " غير ما ذكر أولا لا يخلو عن فائدة فلا يكون قبيحا، فان الملاك لو كان ما ذكر لجاز عند وجود فائدة وإن قلت أن يكون المراد من لفظة " عبدي " ثانيا غير ما ذكر أولا، والفائدة موجودة في المقام ومع ذلك لا يجوز، فنستكشف أن الملاك غير ما ذكر بل فهم العرف وعامة الناس، وهم لا يفرقون بين الامرين ويفهمون من الكلمة الثانية عين ما فهموه من الأولى، فتدبر.
(٢) قرره بالامر: جعله يعترف به. وفى (م): ان ما قررهم عليه اه‍.
(٣) سورة الأحزاب: ٦.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست