أجمع المفسرون على أن المراد به ما ذكرناه، قال الزمخشري في كتاب الكشاف:
النبي أولى بالمؤمنين في كل شئ من أمور الدين والدنيا من أنفسهم، ولهذا اطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب (1)، ووقاءه إذا لحقت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه، ويتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وصرفهم عنه، إلى آخر كلامه (2) ونحوه قال البيضاوي (3) وغيره من المفسرين.
وقال السيد: فأما الدليل على أن لفظة أولى يفيد معنى الإمامة فهو أنا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلا فيمن كان يملك ما وصف بأنه أولى به، وينفذ فيه أمره ونهيه، ألا تراهم يقولون: السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية، وولد الميت أولى بميراثه من كثير من أقاربه، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه، ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " المراد به أنه أولى بتدبيرهم والقيام بأمرهم حيث وجبت طاعته عليهم، ونحن نعلم أنه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد إلا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.
فإن قال: سلمنا أن المراد بالمولى في الخبر ما تقدم من معنى الأولى، من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم وأمرهم، ونهيهم؟ دون أن يكون أراد به أولى بأن يوالوه ويحبوه ويعظموه ويفضلوه؟ قيل له: سؤالك يبطل من وجهين: أحدهما أن الظاهر من قول القائل: فلان أولى بفلان أنه أولى بتدبيره وأحق بأمره ونهيه، فإذا انضاف إلى ذلك القول أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه، ألا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كل موضع حصل فيه محض التدبير والاختصاص بالأمر والنهي كاستعمالهم لها في السلطان ورعيته والوالد وولده والسيد وعبده؟ وإن جاز أن