ثم قال النبي صلى الله عليه وآله " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فأقروا له بذلك، ثم قال متبعا لقوله الأول بلا فصل " فمن كنت مولا فعلي مولاه " فقد علم أن قوله: " مولاه " عبارة عن المعنى الذي أقروا له بأنه أولى بهم من أنفسهم، فإذا كان إنما عنى صلى الله عليه وآله بقوله:
" من كنت مولاه " أني أولى به فقد جعل ذلك لعلي بن أبي طالب عليه السلام بقوله صلى الله عليه وآله:
" فعلي مولاه " لأنه لا يصلح أن يكون عنى بقوله: " فعلي مولاه " قسما من الأقسام التي أحلنا أن يكون النبي عناها في نفسه، لان الأقسام هي أن يكون مالك رق أو معتقا أو معتقا أو ابن عم أو عاقبة أو خلفا أو قداما، فإذا لم يكن لهذه الوجوه فيه صلى الله عليه وآله معنى لم يكن لها في علي عليه السلام أيضا معنى، وبقي ملك الطاعة فثبت أنه عناه، وإذا وجب ملك طاعة المسلمين لعلي عليه السلام فهو معنى الإمامة، لان الإمامة إنما هي مشتقة من الايتمام بالانسان، والايتمام هو الاتباع والاقتداء، والعمل بعمله والقول بقوله، وأصل ذلك في اللغة: سهم يكون مثالا يعمل عليه السهام، ويتبع بصنعه صنعها وبمقداره مقدارها، فإذا وجبت طاعة علي عليه السلام على الخلق استحق معنى الإمامة.
فإن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله إنما جعل لعلي عليه السلام بهذا القول فضيلة شريفة وإنها ليست الإمامة، قيل لهم هذا في أول تأدي الخبر إلينا قد كانت النفوس تذهب إليه، فأما تقسيم الكلام وتبيين ما يحتمله وجوه لفظة المولى في اللغة حتى يحصل المعنى الذي جعله لعلي عليه السلام بها فلا يجوز ذلك، لأنا قد رأينا أن اللغة تجيز في لفظة المولى وجوها كلها لم يعنها النبي صلى الله عليه وآله بقوله في نفسه ولا في علي عليه السلام وبقي معنى واحد فوجب أنه الذي عناه في نفسه وفي علي عليه السلام وهو ملك الطاعة.
فإن قالوا: فلعله قد عنى معنى لم نعرفه لأننا لا نحيط باللغة، قيل لهم: لو جاز ذلك لجاز لنا في كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وكل ما في القرآن أن نقول لعله عني به ما لم يستعمل في اللغة ونشكك فيه، وذلك تعليل خروج من التفهم (1)، ونظير قول النبي صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فلما أقروا له بذلك قال: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه "، قول رجل لجماعة: أليس هذا المتاع بيني وبينكم نبيعه والربح بيننا