ويحتمل أن يكون المولى العاقبة قال الله عز وجل: " مأواكم النار هي مولاكم " (1) أي عاقبتكم وما يؤول بكم الحال إليه، ويحتمل أن يكون المولى ما يلي الشئ مثل خلفه، وقدامه، قال الشاعر:
فغدت، كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها ولم نجد أيضا شيئا من هذه الأوجه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عناه بقوله:
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لأنه لا يجوز أن يقول: من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه، لان ذلك معروف معلوم وتكريره على المسلمين عبث بلا فائدة، وليس يجوز أن يعني به عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لأنه لا معنى له ولا فائدة، ووجدنا اللغة تجيز أن يقول الرجل: " فلان مولاي " إذا كان مالك طاعته، فكان هذا هو المعنى الذي عناه النبي صلى الله عليه وآله بقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " لان الأقسام التي يحتملها اللغة لم يجز أن يعنيها بما بيناه، ولم يبق قسم غير هذا، فوجب أن يكون هو الذي عناه بقوله:
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه " ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثم قال: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فدل ذلك على أن معنى " مولى " (2) هو أنه أولى بهم من أنفسهم، لان المشهور في اللغة والعرف أن الرجل إذا قال لرجل:
إنك أولى بي من نفسي فقد جعله مطاعا آمرا عليه، ولا يجوز أن يعصيه، وأنا لو أخذنا بيعة على رجل وأقر بأنا أولى به من نفسه لم يكن له أن يخالفنا في شئ نأمره به (3)، لأنه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنا أولى به من نفسه، ولان العرب أيضا إذا أمر منهم إنسان إنسانا بشئ وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له: يا هذا أنا أولى بنفسي منك إن لي أن أفعل بها ما أريد وليس ذلك لك مني، فإذا كان قول الانسان: " أنا أولى بنفسي منك " يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة أولى بنفسه من غيره، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن يخالفه ولا يعصيه إذا كان ذلك كذلك.