يجمد البحار أو يجعل سائر الأرض هي البحار لفعل، لا يحزنك (1) تمرد هؤلاء المتمردين وخلاف هؤلاء المخالفين، فكأنهم بالدنيا قد انقضت عنهم كأن لم يكونوا فيها، وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن لم يزالوا فيها، يا علي إن الذي أمهلهم مع كفرهم وفسقهم في تمردهم عن طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد ونمرود بن كنعان ومن ادعى الإلهية من ذوي الطغيان وأطغى الطغاة إبليس رأس أهل الضلالات، ما خلقت أنت ولاهم لدار الفناء، بل خلقتم لدار البقاء، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار، ولا حاجة بربك إلى من يسوسهم ويرعاهم، ولكنه أراد تشريفك عليهم وإبانتك بالفضل فيهم، ولو شاء لهداهم.
قال: فمرضت قلوب القوم لما شاهدوا ذلك مضافا إلى ما كان من مرض أجسامهم له ولعلي بن أبي طالب عليه والسلام، فقال الله عند ذلك: " في قلوبهم مرض " أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين لما اخذت عليهم من بيعة علي عليه السلام " فزادهم الله مرضا " بحيث تاهت له قلوبهم جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات " ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " محمدا ويكذبون في قولهم إنا على العهد والبيعة مقيمون.
قوله عز وجل: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " قال الإمام عليه السلام: قال العالم موسى بن جعفر عليه السلام: إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير: لا تفسدوا في الأرض بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم وتحيرونهم في مذاهبهم " قالوا إنما نحن مصلحون " لأننا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد صلى الله عليه وآله ونحن في الدين متحيرون فنحن نرضى في الظاهر بمحمد بإظهار قبول دينه وشريعته، ونقضي في الباطن على شهواتنا فنتمتع ونتركه [ونترفه] ونعتق أنفسنا من رق محمد صلى صلى الله عليه وآله، ونكفها من طاعة ابن عمه علي، لكي إن ابد أمره في الدنيا (2) كنا قد توجهنا عنده، وإن اضمحل أمره كنا قد سلمنا على أعدائه.