فصل وروي أن الله تعالى عرض عليا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة، وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا أعداء فشتان ما بينهما؟ وروى أبو سعيد السمان بإسناده أن إبليس أتى رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة شيخ حسن السمت فقال:
يا محمد ما أقل من يبايعك على ما تقول في ابن عمك علي!؟ فأنزل الله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " (1) فاجتمع جماعة من المنافقين الذين نكثوا عهده فقالوا: قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال، فإن رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له، والرأي أن نقتل محمدا قبل أن يدخل المدينة، فلما كان في تلك الليلة قعد له صلى الله عليه وآله أربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه - وهي عقبة بين الجحفة والأبواء - فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله صلى وارتحل، وتقدم أصحابه وكان على ناقة ناجية فلما صعد العقبة ناداه جبرئيل: يا محمد إن فلانا وفلانا، وسماهم كلهم وذكر صاحب الكتاب أسماء القوم المشار إليهم ثم قال: قال جبرئيل: يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك (2)، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى من خلفه فقال: من هذا خلفي؟ فقال حذيفة ابن اليمان: أنا حذيفة يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: سمعت ما سمعناه؟ قال: نعم، قال:
اكتم، ثم دنا منهم فناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله مروا ودخلوا في غمار الناس وتركوا رواحلهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة، ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رواحلهم فعرفها، فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمدا أو قتل لا يرد (3) هذا الامر إلى أهل بيته ثم هموا بما هموا به؟ فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يحلفون أنهم لم يهموا بشئ من ذلك! فأنزل الله تبارك وتعالى " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا " (4) الآية.