من أشتبه أباه (1) فما ظلم، وقيل: إن من نعمة الله (2) على العبد أن يشبه أباه ليصح نسبه، فكان الغرض المفهوم من قول أمير المؤمنين عليه السلام التشبيه لمحمد به في الشجاعة، والشهادة له بطيب المولد، والقطع على طهارته، والمدحة له بما تضمنه الذكر من إضافته، ولم يجر للإمامة ذكر ولا كان هناك سبب يقتضي حمل الكلام على معناها، ولا تأويله على فائدة يقتضيها، وإذا كان الامر على ما وصفناه سقطت شبهتهم في هذا الباب.
ثم يقال لهم: فإن أمير المؤمنين عليه السلام قال في ذلك اليوم بعينه في ذلك الموطن نفسه بعد أن قال لمحمد المقال الذي رويتموه (3) للحسن والحسين عليهما السلام وقد رأى فيهما انكسارا عند مدحه لمحمد: " وأنتما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فإن كان إضافة محمد رحمه الله إليه بقوله: " أنت ابني حقا " يدل على نصه عليه فإضافة الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنه قد نص على نبوتهما! إذ كان الذي أضافهما إليه نبيا ورسولا وإماما، فإن لم يجب ذلك بهذه الإضافة لم يجب بتلك ما ادعوه، وهذا بين لمن تأمله.
وأما اعتمادهم على اعطائه الراية يوم البصرة وقياسهم إياه بأمير المؤمنين عليه السلام عندما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايته فإن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وإعطاءه أمير المؤمنين عليه السلام الراية لا يدل على أنه الخليفة من بعده، ولو دل على ذلك لزم (4) أن يكون كل من حمل الراية في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منصوصا عليه بالإمامة! وكل صاحب راية كان لأمير المؤمنين عليه السلام مشارا إليه بالخلافة! وهذا جهل لا يرتكبه عاقل، مع أنه يلزم هذه الفرقة أن يكون محمد إماما للحسن والحسين عليهما السلام وأن لا تكون لهما إمامة البتة، لأنهما لم يحملا الراية وكانت الراية له دونهما، وهذا قول لا يذهب إليه إلا من شذ من الكيسانية على ما حكيناه، وقول أولئك ينتقض (5) بالاتفاق على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن والحسين: " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " وبالاتفاق على وصية أمير المؤمنين