وأما رجوعه صلى الله عليه وآله عن الامر بتبشير الناس - فعلى تقدير صحته - لا دلالة فيه على اجتهاده صلى الله عليه وآله وخطأه في رأيه، ولا ينفي الشناعة عن فعل عمر، لجواز أن يكون (1) الرجوع من قبيل النسخ بالوحي لمصلحة يعلمها الله تعالى، ويمكن أن تكون (2) مصلحة تأليف قلب هذا الفظ الغليظ، كما أمر الله سبحانه بذلك في سائر المنافقين لئلا ينفضوا عن رسوله صلى الله عليه وآله فيلحق الاسلام ضرر أعظم من فوت المصلحة بترك التبشير في ذلك الوقت، ولا يخفي أن الاجتهاد المذكور مما لم يجوزه كثير من العامة، لكون المسألة مما يتعلق بأمور الدين لا الحروب وأمور الدنيا، و (3) قد صرح بذلك شارح صحيح مسلم في شرح هذا الخبر، وقال: عدم جواز الخطأ عليه صلى الله عليه [وآله] في الأمور الدينية مذهب المحققين، وحكى عن شيخه أبي عمرو بن الصلاح توجيه النافين للاجتهاد المذكور بأنه كان لوحي ناسخ للوحي السابق.
وأما الرواية الثانية فسوء الأدب فيها بالأخذ بالثوب وجذبه صلى الله عليه وآله من خلفه واضح، وكذلك الانكار على قول الرسول صلى الله عليه وآله كما يظهر من قوله: إنه منافق - بعد قوله صلى الله عليه وآله: إني خيرت - وقوله: فلما أكثرت عليه.. - بعد قوله صلى الله عليه وآله: أخر عني، ونزول الآية (4)، والنهي