والاشفاق: الخوف (1).
والحيطة: الحفظ والصيانة (2).
قال الجوهري (3): مع فلان حيطة لك، ولا تقل عليك.. أي تحنن.
واستدل بعض الأصحاب على ذلك بما سبق في رواياتهم من تحسر ابن عباس وتحزنه عند تذكر تلك الواقعة وبكائه حتى بل دمعه الحصى، إذ من الظاهر أنه لم يقع بعد النبي صلى الله عليه وآله رزية ومصيبة توجب هذا النوع من الحزن والأسف، ولم تصب الأمة عامة وبني هاشم خاصة آفة إلا خلافة ابن أبي قحافة.
يؤيد ذلك أنه لا شك في اقتضاء المقام والحال أن يكون مراده عليه السلام كتابة الوصية في أمر الخلافة والإمامة، إذ العادة قد جرت - قديما وحديثا - في كل من ظهر له أمارة الارتحال من بين قومه وظن بدنو موته وحضور أجله بأن يوصي فيهم ويفوض أمرهم إلى من يحميهم عن الفتن والآفات، ويكون مرجعا لهم في نوائبهم، ويدفع عنهم شر الأعداء، وكلما تكثرت جهات المنافع وتشتتت وجوه المضار كانت الوصية أوجب وتركها أقبح، ولا ريب في أن الأمة يخاف عليهم بتركهم سدى من غير راع يقيمهم وهاد يهديهم أنواع الضرر في الدنيا والآخرة، فهل يظن عاقل بمن أرسله الله رحمة للعالمين أنه لا يهتم بأمر الاسلام والمسلمين ولا يوصي فيهم ولا ينصب لهم واليا يدفع عنهم شر أعدائهم ويهديهم إلى ما يصلحهم، ويكون خيرا لهم في آخرتهم ودنياهم؟! مع أنه قد أمر أمته بالوصية ورغبهم فيها.
وإذا ظهر أن مراده صلى الله عليه وآله كان تعيين الخليفة - كما اعترف به هذا القائل أيضا - فإن كان مقصوده صلى الله عليه وآله تأكيد نص الغدير وغيره في أمير المؤمنين عليه السلام، وتجديد ما عهد إلى الأمة فيه، ثبت المدعى، وتم الطعن.