فبعدت - والله - عليهم (1) الغاية، وقطعت المضمار (2)، فلما تقدمتهم (3) بالسبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت، وكنت - والله - أحق قريش بشكر قريش، نصرت نبيهم حيا (4)، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ولا نكثوا إلا بيعة الله، يد الله فوق أيديهم فيها، ونحن (5) معاشر الأنصار أيدينا وألسنتنا معك (6)، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب (7).
أقول: روى ابن أبي الحديد في شرح النهج (8): عن علي بن محمد بن أبي سيف (9) المدائني، عن فضيل بن الجعد، قال: آكد الأسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام أمر المال، فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف، ولا عربيا على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك، ولا يستميل أحدا إلى نفسه، وكان معاوية بخلاف ذلك، فترك الناس عليا عليه السلام والتحقوا بمعاوية، فشكى علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين! إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت (10) النية وقل العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحق،