بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٩٥
أن لهذا الرجل فضيلة في الموافقة في الهرب وقد استأذنه مرارا أن يهرب، ويترك النبي صلى الله عليه وآله في يد الأعداء الذين يتهددونه بالعطب؟ إن اعتقاد فضيلة لأبي بكر في هذا الذل من أعجب العجب.
ومنها: التكدير (1) على النبي صلى الله عليه وآله بجزع صاحبه في الغار، وقد كان يكفي النبي صلى الله عليه وآله تعلق خاطره المقدس بالسلامة من الكفار، فزاده جزع صاحبه شغلا في خاطره، ولو لم يصحبه لاستراح من كدر جزعه، واشتغال سرائره.
ومنها: أنه لو كان حزنه شفقة على النبي صلى الله عليه وآله أو على ذهاب الاسلام ما كان قد نهى عنه، وفيه كشف أن حزنه كان مخالفا لما يراد منه.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله ما بقي يأمن إن لم يكن أوحي إليه أنه لا خوف عليه أن يبلغ صاحبه من الجزع الذي ظهر عليه إلى أن يخرج من الغار ويخبر به الطالبين له من الأشرار، فصار معه كالمشغول بحفظ نفسه من ذل صاحبه وضعفه، زيادة على ما كان مشغولا بحفظ نفسه.
ومن أسرار هذه المهاجرة أن مولانا عليا عليه السلام بات على فراش المخاطرة وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ولرسوله صلى الله عليه وآله فاتح أبواب النعم الباطنة و الظاهرة، ولولا ذلك المبيت واعتقاد الأعداء أن النائم على الفراش هو سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله لما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار، فكانت سلامة صاحب الرسالة من قبل أهل الضلالة صادرة عن تدبير الله جل جلاله بمبيت مولانا علي عليه السلام في مكانه، وآية باهرة لمولانا علي عليه السلام شاهدة بتعظيم شأنه، و أنزل الله جل جلاله في مقدس قرآنه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد (2) " فأخبر أن لمولانا علي عليه السلام كانت بيعا لنفسه الشريفة، (3) وطلبا لرضاء الله جل جلاله دون كل مراد، وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف، ومباهات الله جل جلاله تلك الليلة بجبرئيل وميكائيل في بيع

(1) في نسخة من المصدر: منها التكسر.
(2) تقدم الايعاز إلى موضع الآية.
(3) في المصدر: فأخبر أن سريرة مولانا علي عليه السلام كانت بيعا لنفسه الشريفة.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست