قال الواقدي: فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال لها: مالي لا أرى إخوتي بالنهار وأراهم بالليل؟ فقالت له: يا سيدي سألتني عن إخوتك وهم يخرجون في النهار إلى الرعاء، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: يا أماه أحب أن أخرج معهم إلى الرعاء، وأنظر إلى البر والسهل والجبل، وأنظر إلى الإبل كيف تشرب اللبن من أمهاتها، وأنظر إلى القطائع (1)، وإلى عجائب الله تعالى في أرضه، وأعتبر من ذلك، وأعرف المنفعة من المضرة، فقالت له حليمة: أفتحب يا ولدي ذلك؟ قال: نعم، فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلى الله عليه وآله، وسرحت شعره، ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا " فاخرة، وجعلت في رجليه نعلين من حذى (2) مكة، وعمدت إلى سلة وجعلت فيها أطعمة جيدة، وبعثته مع أولادها، وقالت لهم: يا أولادي أوصيكم بسيدي محمد صلى الله عليه وآله أن تحفظوه، وإذا جاع فأطعموه، وإذا عطش فاسقوه، فإذا عي (3) فأقعدوه حتى يستريح، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وعلى يمينه عبد الله بن الحارث، وعن يساره ضمرة، وقرة قدامه، والنبي صلى الله عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم، فما بقي حجر ولا مدر إلا وهم ينادون: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا حامد، السلام عليك يا محمود، السلام عليك يا صاحب القول العدل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، طوبى لمن آمن بك، والويل لمن كفر بك، ورد عليك حرفا " تأتي به من عند ربك، والنبي صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام، وقد تحير الذين معه مما يرون من العجائب، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله أصابه حر الشمس، فأوحى الله تعالى إلى إستحيائيل: أن مد فوق رأس محمد صلى الله عليه وآله سحابة بيضاء، فمدها فأرسلت عزاليها (4) كأفواه القرب، ورش القطر على السهل والجبل، ولم تقطر على رأس
(٣٤٩)