قال الواقدي: قالت حليمة: والله ما غسلت لمحمد ثوبا " من بول ولا غائط، بل كان إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه و تخدمه حتى تقضي (1) حاجته، ولا شممت ورب السماء من محمد رائحة النتن قط، بل كان إذا خرج من قبله أو دبره شئ يفوح منه رائحة المسك والكافور، قالت حليمة: فلما أتى على النبي صلى الله عليه وآله تسعة أشهر ما رأيت ما يخرج من دبره (2)، لان الأرض كانت تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أره.
قال الواقدي: ولما كملت له عشرة أشهر قامت حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي صلى الله عليه وآله لتزينه وتحمله إلى عند جده عبد المطلب، قال:
فلم ينتبه النبي صلى الله عليه وآله وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة، فلم يخرج إلا بعد أربع ساعات، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله مغسول الرأس، مسرح الذوائب، وقد زوق جبينه وذقنه، وعليه ألوان الثياب من السندس والإستبرق، فتعجبت حليمة من زينة النبي صلى الله عليه وآله ومن لباسه مما رأت عليه، فقالت: يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة؟
فقال لها محمد صلى الله عليه وآله: أما الثياب فمن الجنة، وأما الزينة فمن الملائكة (3)، قال: فتعجبت حليمة من ذلك عجبا " شديدا "، ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة، فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه واعتنقه، وأخذه إلى حجره، فقال له: يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا جد استخبر ذلك من حليمة، فكلمته حليمة و قالت: ليس ذلك من أفعالنا، فأمر عبد المطلب حليمة أن تكتم ذلك، وأمر لها بألف درهم بيض، وعشرة دسوت (4) ثياب، وجارية رومية، فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى حيها.
قال الواقدي: فلما أتى على النبي خمسة عشر شهرا " كان إذا نظر إليه الناظر يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لاتمام وقارة جسمه وملاحة بدنه.