بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٦٠
القيامة بعد الأنبياء ذكرا "، وتسميه الملائكة البطل الأزهر المفلح، لا يتوجه إلى وجه إلا أفلح وظفر، والله لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من الشمس الطالعة.
وحدث العباس، عن أبي طالب قال أبو طالب: يا عباس ألا أخبرك عن محمد صلى الله عليه وآله بما رأيت منه؟ قلت: بلى، قال: إني ضممته إلي فلم أفارقه في ليل ولا نهار، وكنت أنومه في فراشي، وآمره أن يخلع ثيابه وينام معي، فرأيت في وجهه الكراهة، وكره أن يخالفني، فقال: يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي، قلت له:
ولم ذلك؟ قال: لا ينبغي لاحد من الناس أن ينظر إلى جسدي، قال: فتعجبت من ذلك، و صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه، فلما دخلت أنا الفراش إذا بيني وبينه ثوب ألين ثوب مسسته قط، ثم شممته فإذا كأنه قد غمس في المسك، فكنت إذا أصبحت افتقدت الثوب فلم أجده، فكان هذا دأبي ودأبه، فجهدت وتعمدت أن أنظر إلى جسده، فوالله ما رأيت له جسدا "، ولقد كنت كثيرا " ما أسمع إذا ذهب من الليل شئ كلاما " يعجبني، وكنت ربما آتيته غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ السماء، فهذا ما رأيت يا عباس.
قال ليث بن أبي نعيم: حدثني أبي، عن جدي، عن أبي طالب قال: كنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب، ولا ندري ما هو حتى ضممت محمدا " صلى الله عليه وآله إلي، فأول ما سمعته يقول: بسم الله الأحد، ثم يأكل، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا "، فتعجبنا منه، وكان يقول: ما رأيت جسد محمد قط، وكان لا يفارقني الليل والنهار، وكان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه، فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشه فيقول: ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك، ولقد رأيت ذئبا " يوما قد جائه وشمه وبصبص (1) حوله. ثم ربض (2) بين يديه، ثم انصرف عنه، ولقد دخل ليلا البيت فأضاء ما حوله، ولم أر منه نجوا (3) قط، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضحك، ولا وقف مع صبيان في لعب ولا التفت إليهم، وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع، ولقد كنت أرى أحيانا " رجلا أحسن الناس وجها " يجئ حتى

(1) بصبص الذئب. حرك ذنبه.
(2) ربض: استناخ وهو أن تلصق الدابة صدره بالأرض.
(3) النجو: ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست