بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٤٤
وكان جالسا " مع رؤساء مكة، مثل عتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وعقبة بن أبي معيط، وجماعة من قريش، فلما رأى عبد المطلب عبد الله قام على قدميه واستقبله وعانقه وصافحه وأقعده إلى جنبه، وألزق ركبتيه بركبتيه، ولم يتكلم حتى استراح، ثم قال له عبد المطلب:
يا أبا ذؤيب أتدري بما دعوتك؟ قال: يا سيدي وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى تقول فأسمع منك وأعمل بأحسنه، قال اعلم: يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبد الله مات أبوه، ولم يبن عليه أثره، ثم ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر، وهو لا يسكن من البكاء عيمة " إلى اللبن، وقد أحضرت عنده (1) أربعمائة وستين جارية من أشرف (2) وأجل بني هاشم، فلم يقبل من واحدة منهن لبنا "، والآن سمعنا أن لك بنتا " ذات لبن، فإن رأيت أن تنفذها لترضع ولدي محمدا "، فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها، وعلي غناك وغنى أهلك وعشيرتك، وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء غيرها فافعل، ففرح عبد الله فرحا " شديدا "، ثم قال: يا أبا الحارث إن لي بنتين، فأيتهما تريد؟ قال عبد المطلب: أريد أكملهما عقلا، وأكثرهما لبنا "، وأصونهما عرضا "، فقال عبد الله: هاتيك حليمة لم تكن كأخواتها، بل خلقها الله تعالى أكمل عقلا، وأتم فهما "، وأفصح لسانا "، وأثج لبنا "، وأصدق لهجة، وأرحم قلبا " منهن جمع.
قال الواقدي: فقال عبد المطلب إني ورب السماء ما أريد، إلا ذلك، فقال عبد الله: السمع والطاعة، فقام من ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو بني سعد (3) بعد أن أضافه، فلما أن وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال لها: أبشري فقد جاءتك الدنيا بأسرها، فقالت حليمة: ما الخبر؟ قال عبد الله: أعلمي أن عبد المطلب رئيس قريش وسيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي ولده، وتبشري بالعطاء الجزيل، ففرحت حليمة بذلك، وقامت من وقتها وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت من زينتها، فلما ذهب من الليل نصفه قام عبد الله وزين ناقته فركبت عليها حليمة، وركب

(1) في المصدر: وقد عرضت عليه.
(2) في المصدر: من أشرف قريش.
(3) في المصدر: نحو حي بنى سعد.
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»
الفهرست