حتى قدم الأبطح، فشخصت إليهم الابصار، وخرست الألسن، وجلس كل قائم هيبة لأبي طالب (1) ثم تحظى القبائل، حتى توسط الناس، ثم رفع صوته وقال: يا سكان زمزم والصفا، وأبي قبيس وحرى، من الثالب لبني عبد المطلب منكم؟ وإني أذكركم بهذا اليوم العبوس (2)، الذي تقطع فيه الرؤوس، ويكون بأيدينا هذه النفوس، وإني قائل لكم: وحق إله الحرم، وبارئ النسم، أني لاعلم عن قليل ليظهرن المنعوت في التوراة والإنجيل الموصوف بالكرم والتفضيل، الذي ليس له في عصره (3) مثيل، ولقد تواترت الاخبار، أنه يبعث في هذه الاعصار، رسول الملك الجبار، المتوج بالأنوار، ثم قصد الكعبة وأتى الناس ورائه إلا أبا جهل وحده، وقد حلت به الذلة والصغار، والذل والانكسار، فلما دنا أبو طالب من الكعبة قال: اللهم رب هذه الكعبة اليمانية، والأرض المدحية، والجبال المرسية، إن كان قد سبق في حكمك، وغامض علمك، أن تزيدنا شرفا " فوق شرفنا، وعزا " فوق عزنا بالنبي المشفع الذي بشر به سطيح فأظهر اللهم يا رب تبيانه، وعجل برهانه، واصرف عنا كيد المعاندين، يا أرحم الرحمين.
ثم جلس أبو طالب والناس حوله فوثب إليه منبه بن الحجاج وكان جسورا " عليه، فقام وتطاولت الناس تنظر ما يقول له، فنادى برفيع صوته: يا أبا طالب ظهرت عزتك، وأنارت طلعتك، وابتهج شكرك (5) بالكرم السني، والشرف العلي، وقد علمت رؤساؤكم من القبائل وأهل النهى والفضائل، أنكم أهل الشرف الأصيل، وأنت سيد مطاع قاهر،