الله عز وجل الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كل باطل، وترك كل حق، وتحليل كل حرام، وتحريم كل حلال، والدخول في كل معصية، والخروج من كل طاعة، وإباحة كل فساد، وإبطال لكل حق. (1) ومنها أنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنه ذلك الآخر، حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه، ويصرف العباد إلى نفسه، فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق.
فإن قال: فلم وجب عليهم الاقرار لله بأنه ليس كمثله شئ؟ قيل: لعلل:
منها أن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره، غير مشتبه عليهم أمر ربهم وصانعهم ورازقهم. (2) ومنها أنهم لو لم يعلموا أنه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الأصنام (3) التي نصبتها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون عليهم مشبهة، (4) وكان يكون في ذلك الفساد، وترك طاعاته كلها، وارتكاب معاصيه كلها، على قدر ما يتناهي إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها.
ومنها أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شئ لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغيير والزوال والفناء والكذب و الاعتداء، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله، ولم يحقق قوله وأمره ونهيه، ووعده وعيده وثوابه وعقابه، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.
فإن قال: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم؟ قيل: لأنه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالأمر والنهي والمنع عن الفساد والتغاصب.
فإن قال: فلم تعبدهم؟ قيل: لئلا يكونوا ناسين لذكره، ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذ كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم.