غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم، (1) فلو لم يجعل لهم قيما حافظا (2) لما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله لفسدوا على نحو ما بينا، وغيرت الشرائع و السنن والأحكام والايمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل: لعلل:
منها أن الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما، و ذلك أنا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهم والإرادة، فإذا كانا اثنين ثم اختلف همهما وإرادتهما وتدبيرهما وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد، ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا وهو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الأرض، ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والايمان، ويكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف (3) والتشاجر (4) إذ أمرهم باتباع المختلفين.
ومنها أنه لو كانا إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير ما يدعو (5) إليه صاحبه في الحكومة، ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.
ومنها أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق (6) والحكم والأمر والنهي من الآخر، فإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتدئا بالكلام، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز (7) السكوت للآخر مثل ذلك، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام وعطلت الحدود، وصارت (8) الناس كأنهم لا إمام لهم.