فإن قال: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين، وجعل المسح على الرأس و الرجلين، ولم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله؟ قيل: لعلل شتى: منها أن العبادة العظمى إنما هي الركوع والسجود، وإنما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين.
ومنها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإنما وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف.
ومنها أن الرأس والرجلين ليسا هما في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه و اليدين، لموضع العمامة والخفين وغير ذلك.
فإن قال: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء؟ قيل: لان الطرفين هما طريق النجاسة، وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما، فامروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم، وأما النوم فإن النائم (1) إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه (واسترخى ع) وكان أغلب الأشياء عليه في الخروج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة.
فإن قال: فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة؟
قيل: لان هذا شئ دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والجنابة ليس (2) هي أمرا دائما، إنما هي شهوة يصيبها إذا أراد، ويمكنه تعجيلها وتأخيرها الأيام الثلاثة والأقل والأكثر، وليس ذلك هكذا.
فإن قال: فلم أمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو أنجس من الجنابة وأقذر؟ قيل: من أجل أن الجنابة من نفس الانسان وهو شئ يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الانسان إنما هو غذاء يدخل من باب و يخرج من باب.