الصانع متعاليا عن أن يرى، (1) وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهرا لم يكن بد (2) من رسول بينه وبينهم، معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم (3) ودفع مضارهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولا سد حاجة، ولكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة ولا صلاح، وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ.
فإن قال: فلم جعل اولي الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة:
منها أن الخلق لما وقعوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد (تلك الحدود ع) لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك (4) كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها أنا (5) لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم و رئيس لما لابد لهم (6) منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به (7) فيئهم، ويقيم (8) لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين، لأنا قد وجدنا (9) الخلق منقوصين محتاجين،