أهل اللغة على أنه إحداث وإيجاد مع تقدير، سواء كان عن مادة كما في خلقكم من تراب، أو بدونه كما في خلق الله العالم.
الخامس قوله تعالى: " كل من عليها فان " (1) والفناء هو العدم، وأجيب بالمنع بل هو خروج الشئ من الصفة التي ينتفع به عندها كما يقال: فنى زاد القوم وفنى الطعام والشراب، ولذا يستعمل في الموت مثل أفناهم الحرب، وقيل: بمعنى الآية:
كل من على وجه الأرض من الاحياء فهو ميت، قال الامام: ولو سلم كون الفناء والهلاك بمعنى العدم فلابد في الآيتين من تأويل، إذ لو حملتا على ظاهرهما لزم كون الكل هالكا فانيا في الحال وليس كذلك، وليس التأويل بكونه آئلا إلى العدم على ما ذكرتم أولى من التأويل بكونه قابلا له، وهذه منه إشارة إلى ما اتفق عليه أئمة العربية من كون اسم الفاعل ونحوه مجازا في الاستقبال، وأنه لابد من الاتصاف بالمعنى المشتق منه، وإنما الخلاف في أنه هل يشترط بقاء ذلك المعنى؟ وقد توهم صاحب التلخيص أنه كالمضارع يشترك بين الحال والاستقبال، فاعترض بأن حمله على الاستقبال ليس تأويلا وصرفا عن الظاهر.
واحتج الآخرون بوجوه: الأول: أنه لو كان كذلك لما كان الجزاء واصلا إلى مستحقه، واللازم باطل عندنا سمعا للنصوص الواردة في أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وعقلا عند المعتزلة لما سبق من وجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي، و بيان اللزوم أن المنشأ لا يكون هو المبتدأ بل مثله لامتناع إعادة المعدوم بعينه. ورد بالمنع وقد مر بيان ضعف أدلته، ولو سلم فلا يقوم على من يقول ببقاء الروح أو الأجزاء الأصلية وإعدام البواقي ثم إيجادها وإن لم يكن الثاني هو الأول بعينه بل مغايرا له في وصفه الابتداء والإعادة أو باعتبار آخر، ولا شك أن العمدة في الاستحقاق هو الروح على ما مر، وقد يقرر بأنها لو عدمت لما علم إيصال الجزاء إلى مستحقه لأنه لا يعلم أن ذلك المحشور هو الأول أعيد بعينه أم مثل له خلق على صفته، أما على تقدير الفناء بالكلية فظاهر، وأما على تقدير بقاء الروح والاجزاء الأصلية فلانعدام التركيب والهيئات والصفات التي بها يتمايز المسلمون سيما على قول من يجعل