لا في محل فتفنى الجواهر، وقال أبو هاشم وأشياعه: يخلق فناءا واحدا لا في محل فينفي به الجواهر بأسرها، وأما الثالث وهو أن فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم بشر أن ذلك الشرط بقاء يخلقه الله تعالى لا في محل، فإذا لم يخلقه الله تعالى عدم الجوهر، وذهب الأكثرون من أصحابنا والكلبي من المعتزلة إلى أنه بقاء قائم به يخلقه الله حالا فحالا، فإذا لم يخلقه الله تعالى فيه انتفى الجوهر، وقال إمام الحرمين: إنها الاعراض التي يجب اتصاف الجسم بها، فإذا لم يخلقها الله تعالى فيه فنى، وقال القاضي في أحد قوليه: هو الأكوان التي يخلقها الله في الجسم حالا فحالا، فمتى لم يخلقها الله فيه انعدم، وقال النظام: إنه ليس بباق بل يخلق الله حالا فحالا فمتى لم يخلق فنى، وأكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل، سيما القول بكون الفناء أمرا محققا في الخارج ضد اللبقاء قائما بنفسه أو بالجوهر، وكون البقاء موجودا لا في محل، ولعل وجه البطلان غني عن البيان. ثم القائلون بصحة الفناء وبحقية حشر الأجساد اختلفوا في إن ذلك بالايجاد بعد الفناء أو بالجمع بعد تفرق الاجزاء؟ والحق التوقف، وهو اختيار إمام الحرمين حيث قال: يجوز عقلا أن تعدم الجواهر ثم تعاد، وأن تبقى وتزول أعراضها المعهودة ثم تعاد بنيتها ولم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما، فلا يبعد أن يغير أجساد العباد على صفة أجسام التراب، ثم يعاد تركيبها إلى ما عهد، ولا يحيل أن يعدم منها شئ ثم يعاد، والله أعلم.
احتج الأولون بوجوه: الأول الاجماع على ذلك قبل ظهور الخالفين كبعض المتأخرين من المعتزلة وأهل السنة، ورد بالمنع كيف وقد أطبقت معتزلة بغداد على خلافه؟ نعم كان الصحابة يجمعون على بقاء الحق وفناء الخلق بمعنى هلاك الأشياء وموت الاحياء وتفرق الاجزاء لا بمعنى انعدام الجواهر بالكلية لأن الظاهر أنهم لم يكونوا يخوضون في هذه التدقيقات.
الثاني هو قوله تعالى: " هو الأول والآخر " (1) أي في الوجود، ولا يتصور ذلك إلا بانعدام ما سواه، وليس بعد القيامة وفاقا فيكون قبلها، وأجيب بأنه يجوز أن