إليه المعتزلة، فإن قالوا: قد يكون الفعل الواجب نعمة إذا كان منعما بسببه كالثواب والعوض لما كان منعما بالتكليف وبالآلام التي يستحق بها الاعواض جاز أن يطلق عليهما اسم النعمة، فالجواب أن ذلك إنما قلناه في الثواب والعوض ضرورة، ولا ضرورة ههنا تدعو إلى ارتكابه.
وقال رحمه الله في قوله تعالى " إنما التوبة ": معناه لا توبة مقبولة على الله، أي عند الله إلا " للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " واختلف في معنى قوله بجهالة على وجوه: أحدها أن كل معصية يفعلها العبد جهالة وإن كانت على سبيل العمد لأنه يدعو إليها الجهل ويزينها للعبد، عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وثانيها أن معنى قوله تعالى: " بجهالة " أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة كما يعلم الشئ ضرورة، عن الفراء.
وثالثها أن معناه أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاص فيفعلونها، إما بتأويل يخطؤون فيه، وإما بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها عن الجبائي. وضعف الرماني هذا القول لأنه بخلاف ما أجمع عليه المفسرون، ولأنه يوجب أن لا يكون لمن علم أنها ذنوب توبة لان قوله: " إنما التوبة " يفيد أنها لهؤلاء دون غيرهم. وقال أبو العالية وقتادة أجمعت الصحابة على أن كل ذنب أصابه العبد فبجهالة. وقال الزجاج: إنما قال:
بجهالة لأنهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهال فهو جهل في الاختيار ومعنى " يتوبون من قريب " أي يتوبون قبل الموت لان ما بين الانسان وبين الموت قريب، فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت. وقال الحسن والضحاك وابن عمر: القريب ما لم يعاين الموت. وقال السدي: هو ما دام في الصحة قبل المرض والموت.
وروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قيل: فإن عاد وتاب مرارا؟ قال:
يغفر الله له، قيل: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال: وإن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه، ثم قال