بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٦
خلاف خلقه، فلا شبه له من المخلوقين، وإنما يشبه الشئ، بعديله، فأما مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله، والآخر الذي ليس شئ بعده، لا تناله الابصار في مجد جبروته، (1) إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته. ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته، الذي صدرت الأمور عن مشيته، و تصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب، وعنت له الوجوه من مخافته، وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته، وصار كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه، فإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق فأحكم تقديره، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه، ووجهه بجهة فلم يبلغ منه شئ محدود منزلته، (2) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته، ولم يستصعب إذ أمر (3) بالمضي إلى إرادته، بلا معاناة للغوب مسه، ولا مكائدة (4) لمخالف له على أمره، فتم خلقه وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه، إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ، (5) فأقام من الأشياء أودها، ونهي معالم حدودها، ولاءم بقدرته بين متضاداتها، ووصل أسباب قرائنها، وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الاقدار والغرائز (6) والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد و ابتدعها، (7) انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.
أيها السائل اعلم أن من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه، وبتلاحم أحقاق (8) مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته (9) أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ولم

(1) وفي نسخة: من مجد جبروته. والجبروت صيغة مبالغة بمعنى القدرة والسلطة والعظمة.
(2) في التوحيد المطبوع: فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته.
(3) في التوحيد المطبوع: ولم يستصعب أو امره بالمضي إلى إرادته.
(4) في بعض النسخ: المكابدة، وفى التوحيد المطبوع: المكابرة.
(5) تلكأ عليه: اعتل عن الامر: أبطأ وتوقف. والمتلكئ: المتعلل والمبطئ والمتوقف.
(6) الغرائز: الطبائع.
(7) في نسخة: وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها.
(8) وفي نسخة: حقاق.
(9) قال ابن ميثم: والذي يقال من وجه الحكمة في احتجاب المفاصل: هو أنها لو خلقت ظاهرة عرية عن الأغشية ليبست رطوباتها وقست فيتعذر تصرف الحيوان بها كما هو الان، وأنها كانت معرضة للآفات المفسدة لها وغير ذلك من خفى تدبيره ولطيف حكمته.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * (أبواب تأويل الآيات والاخبار الموهمة لخلاف ما سبق) * باب 1 تأويل قوله تعالى: خلقت بيدي، وجنب الله، ووجه الله، ويوم يكشف عن ساق، وأمثالها، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 2 تأويل قوله تعالى: ونفخت فيه من روحي، وروح منه، وقوله صلى الله عليه وآله: خلق الله آدم على صورته، وفيه 14 حديثا. 11
4 باب 3 تأويل آية النور، وفيه سبعة أحاديث. 15
5 باب 4 معنى حجرة الله عز وجل، وفيه أربعة أحاديث. 24
6 باب 5 نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها، وفيه 33 حديثا. 26
7 * (أبواب الصفات) * باب 1 نفي التركيب واختلاف المعاني والصفات، وأنه ليس محلا للحوادث والتغييرات، وتأويل الآيات فيها، والفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال، وفيه 16 حديثا. 62
8 باب 2 العلم وكيفيته والآيات الواردة فيه، وفيه 44 حديثا. 74
9 باب 3 البداء والنسخ، وفيه 70 حديثا. 92
10 باب 4 القدرة والإرادة، وفيه 20 حديثا. 134
11 باب 5 أنه تعالى خالق كل شيء، وليس الموجد والمعدم إلا الله تعالى وأن ما سواه مخلوق، وفيه خمسة أحاديث. 147
12 باب 6 كلامه تعالى ومعنى قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا، وفيه أربعة أحاديث. 150
13 * أبواب أسمائه تعالى وحقائقها وصفاتها ومعانيها * باب 1 المغايرة بين الاسم والمعنى وأن المعبود هو المعنى والاسم حادث، وفيه ثمانية أحاديث. 153
14 باب 2 معاني الأسماء واشتقاقها وما يجوز إطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز، وفيه 12 حديثا. 172
15 باب 3 عدد أسماء الله تعالى وفضل إحصائها وشرحها، وفيه ستة أحاديث. 184
16 باب 4 جوامع التوحيد، وفيه 45 حديثا. 212
17 باب 5 إبطال التناسخ، وفيه أربعة أحاديث. 320
18 باب 6 نادر، وفيه حديث. 322