ولا مستراح عن دعوته ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته وهو الكينون أولا، (1) والديموم أبدا، المحتجب بنوره دون خلقه في الأفق الطامح، والعز الشامخ، والملك الباذخ، فوق كل شئ علا ومن كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو بالمنظر الاعلى، فأحب الاختصاص بالتوحيد إذا احتجب بنوره، وسما في علوه، واستتر عن خلقه، وبعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ويكون رسله إليهم شهداء عليهم، وانبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكروا، ويوحدوه بالإلهية بعد ما عندوا.
بيان: قوله: متعظما أي مستحقا للتعظيم أو عظيما في غاية العظمة، وكذا قوله متكبرا، والغرض أنه لم يكن عظمته وكبرياؤه وإلهيته متوقفة على إيجاد خلقه وقوله: ربنا مبتدأ وفتق خبره، والظرفان متعلقان بفتق، وإضافة العلم إلى الخبر للتأكيد، وفي بعض النسخ بالجيم. قوله: فلق أي ظلمة الليل، وهو إشارة إلى قوله تعالى: " فالق الاصباح ". (2) قوله: لا معقب لحكمه أي لا راد له، وحقيقته الذي يعقب الشئ بالابطال، والمستراح: محل الاستراحة أي لا مفر عن دعوته، والكينون والديموم مبالغتان في الكائن والدائم. قوله: المحتجب بنوره أي ليس حجابه إلا نوريته أي تجرده وكماله و رفعته وجلاله، والطامح: المرتفع كالشامخ والباذخ، يقال: جبل شامخ أي شاهق، وشرف باذخ أي عال.
قوله: وهو بالمنظر الاعلى المنظر: الموضع المرتفع الذي ينظر إليه أي موضعه أرفع من أن ينظر إليه بالابصار والأوهام والعقول، أو المراد بالمنظر المدارك والمشاعر أي هو أعلى وأرفع من أن يكون في مشاعر الخلق، ويحتمل أن يكون كناية عن علمه