بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٠
أيامهم فيحدوهم ذلك على الشكر والصبر، وأما الطالحون فإن مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم، وردعهم عن المعاصي والفواحش، وكذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحا في ذلك: أما الأبرار فإنهم يغتبطون بما هم عليه من البر والصلاح ويزدادون فيه رغبة وبصيرة. وأما الفجار فإنهم يعرفون رأفة ربهم (1) وتطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاقهم (2) فيحضهم ذلك على الرأفة بالناس والصفح عمن أساء إليهم.
ولعل قائلا يقول: إن هذه الآفات التي تصيب الناس في أموالهم، فما قولك فيما يبتلون به في أبدانهم فيكون فيه تلفهم، كمثل الحرق والغرق والسيل والخسف؟
فيقال لهم: إن الله جعل في هذا أيضا صلاحا للصنفين جميعا: أما الأبرار فلما لهم في مفارقة هذه الدنيا من الراحة من تكاليفها والنجاة من مكارهها، وأما الفجار فلما لهم في ذلك من تمحيص أوزارهم وحبسهم عن الازدياد منها. وجملة القول أن الخالق تعالى ذكره بحكمته وقدرته قد يصرف هذه الأمور كلها إلى الخيرة والمنفعة فكما أنه إذا قطعت الريح شجرة أو قطعت نخلة أخذها الصانع الرفيق واستعملها في ضروب من المنافع فكذلك يفعل المدبر الحكيم في الآفات التي تنزل بالناس في أبدانهم وأموالهم فيصيرها جميعا إلى الخيرة والمنفعة.
فإن قال: ولم يحدث على الناس؟ قيل له: لكيلا يركنوا إلى المعاصي من طول السلامة فيبالغ الفاجر في ركوب المعاصي، ويفتر الصالح عن الاجتهاد في البر، فإن هذين الامرين جميعا يغلبان على الناس في حال الخفض (3) والدعة، (4) وهذه الحوادث التي تحدث عليهم تردعهم (5) وتنبههم على ما فيه رشدهم، فلو أخلوا منهما لغلوا في الطغيان والمعصية كما على الناس في أول الزمان حتى وجب عليهم البوار بالطوفان وتطهير الأرض منهم.

(1) وفي نسخة: فإنهم يعرفون رحمة ربهم.
(2) وفي نسخة: من غير استحقاق.
(3) خفض العيش: سهل وكان هنيئا.
(4) الراحة وخفض العيش.
(5) وفي نسخة: وهذه الحوادث التي تحدث عليهم تروعهم.
(١٤٠)
مفاتيح البحث: الشكر (1)، الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309