بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٦٢
أقول: أشار عليه السلام بذلك إلى أقوى براهين التوحيد، (1) وهو أن ايتلاف أجزاء العالم واحتياج بعضها إلى بعض وانتظام بعضها ببعض، يدل على وحدة مدبرها كما أن ارتباط أجزاء الشخص بعضها ببعض وانتظام بعض أعضائه مع بعض يدل على وحدة مدبره.
وقد قيل في تطبيق العالم الكبير على العالم الصغير لطائف لا يسع المقام ذكرها، وربما يستدل عليه أيضا بما قد تقرر من أن المتلازمين إما أن يكون أحدهما علة للآخر، أو هما معلولا علة ثالثة، وسيأتي الكلام فيه في باب التوحيد.
نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به، فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم، وهو محجوب في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى، ولا استجلاب منفعة ولا دفع منصرة، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذوا الماء النبات فلا يزال ذلك غذاؤه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه، وقوي أديمه على مباشرة الهواء، وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج، وأعنفه حتى يولد، وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء، وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي أمه كالإداوتين المعلقتين لحاجته إليه، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن، رقيق الأمعاء، لين الأعضاء، حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوي بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس، ليمضغ به الطعام فيلين عليه، ويسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعز الرجل الذي يخرج به من حد الصبا وشبه النساء، وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيا من الشعر، لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل وبقاؤه.

(1) الذي وصف عليه السلام به هذا الدليل هو أنه أول الأدلة أي أقرب الأدلة منا إذا أردنا التفهم بالاستدلال، وأما كونه أقواها كما ذكره رحمه الله فلعل هناك ما هو أقوى منه وإن كان أبعد من أفهامنا كما بين في محله. ط
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309