بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٦٨
إلى المعدة فتطبخه، وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء، لكيلا يصل إلى الكبد منه شئ فينكأها، وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف، ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما، وينفذ إلى البدن كله في مجاري مهيأة لذلك، بمنزلة المجاري التي تهيؤ للماء حتى يطرد في الأرض كلها، و ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد أعدت لذلك، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال، وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة، فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن، و وضع هذه الأعضاء منه مواضعها، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول، لئلا تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير، وله الحمد كما هو أهله ومستحقه.
قال المفضل: فقلت: صف نشؤ (1) الأبدان ونموها حالا بعد حال حتى تبلغ التمام والكمال. فقال عليه السلام:
أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ولا تناله يد، ويدبره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه قوامه وصلاحه من الأحشاء والجوارح والعوامل إلى ما في تركيب أعضائه من العظام واللحم والشحم والمخ والعصب والعروق والغضاريف، فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمي بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لا تتزايد ولا تنقص إلى أن يبلغ أشده إن مد في عمره أو يستوفي مدته قبل ذلك، هل هذا إلا من لطيف التدبير والحكمة؟.
يا مفضل انظر إلى ما خص به الانسان في خلقه تشريفا وتفضيلا على البهائم، فإنه خلق ينتصب قائما ويستوي جالسا، ليستقبل الأشياء بيديه وجوارحه، ويمكنه العلاج والعمل بهما، فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئا من الاعمال.

(1) بالنون المفتوحة والشين الساكنة ثم الهمزة. أو بالنون والشين المضمومتين والواو الساكنة ثم الهمزة.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309