بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٦٠
البر والبحر، والسهل والوعر (1) فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود، وبضعف بصائرهم إلى التكذيب والعنود، حتى أنكروا خلق الأشياء، وأدعوا أن كونها بالاهمال لا صنعة فيها ولا تقدير، ولا حكمة من مدبر ولا صانع، تعالى الله عما يصفون، وقاتلهم الله أنى يؤفكون. فهم في ضلالهم وعماهم وتحيرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء وأحسنه، وفرشت بأحسن الفرش وأفخره، واعد فيها ضروب الأطعمة والأشربة و الملابس والمآرب (2) التي يحتاج إليها لا يستغنى عنها، ووضع كل شئ من ذلك موضعه على صواب من التقدير وحكمة من التدبير فجعلوا يترددون فيها يمينا وشمالا ويطوفون بيوتها إدبارا وإقبالا، محجوبة أبصارهم عنها، لا يبصرون بنية الدار (3) وما أعد فيها، وربما عثر بعضهم بالشئ الذي قد وضع موضعه واعد للحاجة إليه، و هو جاهل بالمعنى فيه ولما أعد ولماذا جعل كذلك فتذمر وتسخط وذم الدار وبانيها فهذه حال هذا الصنف في إنكارهم ما أنكروا من أمر الخلقة وثبات الصنعة، (4) فإنهم لما غربت (5) أذهانهم عن معرفة الأسباب والعلل في الأشياء صاروا يجولون في هذا العالم حيارى، ولا يفهمون ما هو عليه من إتقان خلقته وحسن صنعته وصواب تهيئته، و ربما وقف بعضهم على الشئ لجهل سببه والإرب فيه فيسرع إلى ذمه ووصفه بالإحالة والخطأ، كالذي أقدمت عليه المانوية الكفرة، وجاهرت به الملحدة المارقة الفجرة وأشباههم من أهل الضلال، المعللين أنفسهم بالمحال، فيحق على من أنعم الله عليه بمعرفته وهداه لدينه، ووفقه لتأمل التدبير في صنعة الخلائق، والوقوف على ما خلقوا له من لطيف التدبير وصواب التعبير بالدلالة القائمة الدالة على صانعها، أن يكثر حمد الله مولاه على ذلك، ويرغب إليه في الثبات عليه والزيادة منه فإنه جل اسمه يقول: لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.

(1) وعر الأرض: صلب وصعب السير فيه، ضد السهل.
(2) المآرب: الحوائج.
(3) وفي نسخة: هيئة الدار.
(4) وفي نسخة: إثبات الصنعة.
(5) في نسخة عزبت، وفي نسخة أخرى: غبت، وفي ثالثة: وعرت.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309