الدواء والآخر خالق الجسد والداء لم يهتد غارس العقاقير لايصال دوائه إلى الداء الذي بالجسد مما لا علم له به، ولا اهتدى خالق الجسد إلى علم ما يصلح ذلك الداء من تلك العقاقير، فلما كان خالق الداء والدواء واحدا أمضى الدواء في العروق التي برأ وصور إلى الداء الذي عرف ووضع فعلم مزاجها من حرها وبردها ولينها وشديدها وما يدخل في كل دواء منه من القراريط والمثاقيل، وما يصعد إلى الرأس وما يهبط إلى القدمين منها وما يتفرق منه فيما سوى ذلك.
قال: لا أشك في هذا لأنه لو كان خالق الجسد غير خالق العقاقير لم يهتد واحد منهما إلى ما وصفت. قلت: فإن الذي دل الحكيم الذي وصفت أنه أول من خلط هذه الأدوية ودل على عقاقيرها المتفرقة فيما بين المشرق والمغرب، ووضع هذا الطب على ما وصفت لك هو صاحب الحديقة فيما بين المشرق والمغرب، وهو باني الجسد، وهو دل الحكيم بوحي منه على صفة كل شجرة وبلدها، وما يصلح منها من العروق والثمار والدهن والورق والخشب واللحاء، وكذلك دله على أوزانها من مثاقيلها و قراريطها وما يصلح لكل داء منها، وكذلك هو خالق السباع والطير والدواب التي في مرارها المنافع مما يدخل في تلك الأدوية فإنه لو كان غير خالقها لم يدر ما ينتفع به من مرارها وما يضر وما يدخل منها في العقاقير، فلما كان الخالق سبحانه وتعالى واحدا دل على ما فيه من المنافع منها فسماه باسمه حتى عرف وترك مالا منفعة فيه منها، فمن ثم علم الحكيم أي السباع والدواب والطير فيه المنافع، وأيها لا منفعة فيه، ولولا أن خالق هذه الأشياء دله عليها ما اهتدى بها.
قال: إن هذا لكما تقول وقد بطلت الحواس والتجارب عند هذه الصفات. قلت أما إذا صحت نفسك فتعال ننظر بعقولنا ونستدل بحواسنا، هل كان يستقيم لخالق هذه الحديقة وغارس هذه الأشجار وخالق هذه الدواب والطير والناس الذي خلق هذه الأشياء لمنافعهم أن يخلق هذا الخلق ويغرس هذا الغرس في أرض غيره مما إذا شاء منعه ذلك؟.
قال: ما ينبغي أن تكون الأرض التي خلقت فيها الحديقة العظيمة وغرست فيه