بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٨٨
الأشجار إلا لخالق هذا الخلق وملك يده. قلت: فقد أرى الأرض أيضا لصاحب الحديقة لاتصال هذه الأشياء بعضها ببعض. قال: ما في هذا شك. قلت: فأخبرني وناصح نفسك ألست تعلم أن هذه الحديقة وما فيها من الخلقة العظيمة من الانس والدواب والطير و الشجر والعقاقير والثمار وغيرها لا يصلحها إلا شربها وريها من الماء الذي لا حياة لشئ إلا به؟ قال: بلى. قلت: أفترى الحديقة وما فيها من الذرء خالقها واحد. وخالق الماء غيره يحبسه عن هذه الحديقة إذا شاء ويرسله إذا شاء فيفسد على خالق الحديقة؟.
قال: ما ينبغي أن يكون خالق هذه الحديقة وذارء هذا الذرء الكثير وغارس هذه الأشجار إلا المدبر الأول وما ينبغي أن يكون ذلك الماء لغيره، وإن اليقين عندي لهو أن الذي يجري هذه المياه من أرضه وجباله لغارس هذه الحديقة وما فيها من الخليقة لأنه لو كان الماء لغير صاحب الحديقة لهلك الحديقة وما فيها، ولكنه خالق الماء قبل الغرس والذرء وبه استقامت الأشياء وصلحت. قلت: أفرأيت لو لم يكن لهذه المياه المنفجرة في الحديقة مغيض (1) لما يفضل من شربها يحبسه عن الحديقة أن يفيض عليها أليس كان يهلك ما فيها من الخلق على حسب ما كانوا يهلكون لو لم يكن لها ماء؟ قال: بلى ولكني لا أدري لعل هذا البحر ليس له حابس وأنه شئ لم يزل. قلت: أما أنت فقد أعطيتني أنه لولا البحر ومغيض المياه إليه لهلكت الحديقة. قال: أجل. قلت: فإني أخبرك عن ذلك بما تستيقن بأن خالق البحر هو خالق الحديقة ما فيها من الخليقة، وأنه جعله مغيضا لمياه الحديقة مع ما جعل فيه من المنافع للناس.
قال: فاجعلني من ذلك على يقين كما جعلتني من غيره. قلت: ألست تعلم أن فضول ماء الدنيا يصير في البحر؟ قال: بلى. قلت: فهل رأيته زائدا قط في كثرة الماء وتتابع الأمطار على الحد الذي لم يزل عليه؟ أو هل رأيته ناقصا في قلة المياه وشدة الحر وشدة القحط؟ قال: لا. قلت: أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن خالقه وخالق الحديقة وما فيها من الخليقة واحد، وأنه هو الذي وضع له حدا لا يجاوزه لكثرة الماء ولا لقلته، وأن مما يستدل على ما أقول أنه يقبل بالأمواج أمثال الجبال يشرف على

(1) المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الأرض وفي نسخة: المفيض بالفاء وكذا فيما يأتي بعده.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309