الأشجار إلا لخالق هذا الخلق وملك يده. قلت: فقد أرى الأرض أيضا لصاحب الحديقة لاتصال هذه الأشياء بعضها ببعض. قال: ما في هذا شك. قلت: فأخبرني وناصح نفسك ألست تعلم أن هذه الحديقة وما فيها من الخلقة العظيمة من الانس والدواب والطير و الشجر والعقاقير والثمار وغيرها لا يصلحها إلا شربها وريها من الماء الذي لا حياة لشئ إلا به؟ قال: بلى. قلت: أفترى الحديقة وما فيها من الذرء خالقها واحد. وخالق الماء غيره يحبسه عن هذه الحديقة إذا شاء ويرسله إذا شاء فيفسد على خالق الحديقة؟.
قال: ما ينبغي أن يكون خالق هذه الحديقة وذارء هذا الذرء الكثير وغارس هذه الأشجار إلا المدبر الأول وما ينبغي أن يكون ذلك الماء لغيره، وإن اليقين عندي لهو أن الذي يجري هذه المياه من أرضه وجباله لغارس هذه الحديقة وما فيها من الخليقة لأنه لو كان الماء لغير صاحب الحديقة لهلك الحديقة وما فيها، ولكنه خالق الماء قبل الغرس والذرء وبه استقامت الأشياء وصلحت. قلت: أفرأيت لو لم يكن لهذه المياه المنفجرة في الحديقة مغيض (1) لما يفضل من شربها يحبسه عن الحديقة أن يفيض عليها أليس كان يهلك ما فيها من الخلق على حسب ما كانوا يهلكون لو لم يكن لها ماء؟ قال: بلى ولكني لا أدري لعل هذا البحر ليس له حابس وأنه شئ لم يزل. قلت: أما أنت فقد أعطيتني أنه لولا البحر ومغيض المياه إليه لهلكت الحديقة. قال: أجل. قلت: فإني أخبرك عن ذلك بما تستيقن بأن خالق البحر هو خالق الحديقة ما فيها من الخليقة، وأنه جعله مغيضا لمياه الحديقة مع ما جعل فيه من المنافع للناس.
قال: فاجعلني من ذلك على يقين كما جعلتني من غيره. قلت: ألست تعلم أن فضول ماء الدنيا يصير في البحر؟ قال: بلى. قلت: فهل رأيته زائدا قط في كثرة الماء وتتابع الأمطار على الحد الذي لم يزل عليه؟ أو هل رأيته ناقصا في قلة المياه وشدة الحر وشدة القحط؟ قال: لا. قلت: أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن خالقه وخالق الحديقة وما فيها من الخليقة واحد، وأنه هو الذي وضع له حدا لا يجاوزه لكثرة الماء ولا لقلته، وأن مما يستدل على ما أقول أنه يقبل بالأمواج أمثال الجبال يشرف على