فهذه ان نسبتها إلى الحلم والصفح، فناهيك بها جمالا وحسنا، وان نسبتها إلى الدين والورع، فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام.
وأما الجهاد في سبيل الله، فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس الا له، وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله، وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي عليه السلام نصفهم، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر.
وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي، وتاريخ الأشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما، علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه، لأنه من المعلومات الضرورية، كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما.
وأما الفصاحة، فهو عليه السلام امام الفصحاء وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق. ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة.
وقال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت. وقال ابن نباته: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.
ولما قال ابن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيى الناس، قال له: ويحك كيف يكون أعيى الناس، فوالله ما سن الفصاحة والبلاغة لقريش غيره.
ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة، ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه.
وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحيا والتبسم، فهو المضروب به