فثبت حقية الامامية القائلين بأن لله تعالى في كل واقعة حكما معينا معلوما عليه دليل قاطع، وجامع الأحكام كلها أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، لأن صراط الله على ما ذهبوا إليه مستقيم، واتباعه بالرجوع إلى أئمة أهل البيت واجب حيث أمكن. وأما في حال الغيبة، فقد بينا حكم الشيعة فيها، بأنهم كالمستضعفين من أهل مكة، وكالمهاجرين إلى الحبشة، يعملون بما يعلمون، ويحتاطون فيما لا يعلمون.
وقد أشار مولانا ومقتدانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بما رواه في نهج البلاغة إلى بطلان الاجتهاد والعمل به، قال (عليه السلام): ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره، فيحكم بخلاف قوله، ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم، فيصوب آراءهم جميعا، والههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد.
أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه، أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وفيه تبيان لكل شئ، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وان القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به (1).
وقد أوردنا في الدليل الأول نقلا عن كتب المخالفين عدة روايات دالات على حرمة العمل بالرأي.