وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ، على أن الفرق بينه وبين ترك لعنه رؤوس الضلال في هذه الأمة، كمعاوية والمغيرة وأمثالهما، أن أحدا من المسلمين لا يورث عند الامساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس، والامساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم، وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب، فلهذا لم يكن الامساك عن لعن إبليس نظيرا للامساك عن أمر هؤلاء.
قال: ثم يقال للمخالفين: أرأيتم لو قال قائل: قد غاب عنا أمر معاوية والحجاج بن يوسف، فليس ينبغي أن نخوض في قصتيهما ولا أن نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما، هل كان هذا الا كقولكم: قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن شعبة وأضرابهما، فليس لخوضنا في قصتهم معنى.
وبعد فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان وخضتم فيه؟ وقد غاب عنكم، وبرئتم من قتلته ولعنتموهم، وكيف لم تحفظوا أبا بكر في محمد ابنه؟ فإنكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور، ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين ومعاوية الظالم له ولهما، المتغلب على حقه وحقوقهما، وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم ويلعن ظالم علي والحسن والحسين تكلفا؟! وكيف أدخلتم العامة أنفسها في أمر عائشة؟ فبرئت ممن نظر إليها ومن القائل لها: يا حميراء، وإنما هي حميراء ولعنته بكشفه سترها، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها.
فان قلتم: ان بيت فاطمة إنما دخل، وسترها إنما كشف، حفظا لنظام الاسلام، وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة.