فأهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا، وأخذت جميع ما كان معهم وقدمت المدينة، فوجدت النبي صلى الله عليه وآله بالمسجد وعنده أبو بكر، وكان بي عارفا، فلما رآني قال: ابن أخي عروة؟ قلت: نعم قد جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله، فقال أبو بكر: من مصر أقبلت؟ قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب، ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ليخمسها، فإنما هي غنيمة من المشركين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما اسلامك فقد قبلته، ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه، فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة، فقال عليه السلام: الاسلام يجب ما قبله، قال: وكان قتل منهم ثلاثة عشر انسانا، واحتوى على ما معهم، فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.
قال: فذلك معنى قول عروة يوم الحديبية: (يا غدر أنا إلى الأمس أغسل سوأتك، فلا أستطيع أن أغسلها) فلهذا قال أصحابنا البغداديون: من كان اسلامه على هذا الوجه وكانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به، من لعن علي عليه السلام على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل، وكان المتوسط من عمره الزنا (1) والفجور، واعطاء البطن والفرج سؤالهما، وممالأة الفاسقين، وصرف الوقت إلى غير طاعة الله، كيف نتولاه؟ وأي عذر لنا في الامساك عنه وأن لا نكشف للناس فسقه.
وحضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد وعنده جماعة، وأحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج، فمر ذكر