عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ١ - الصفحة ٢٤١
له بشئ من أخيه فلا تأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار " (1) (2) (3).
(١) صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب موعظة الامام للخصوم. وسنن ابن ماجة ج ٢، كتاب الأحكام (5) باب قضية الحاكم لا تحل حراما و لا تحرم حلالا، حديث 2317.
(2) اللحن بالحجة: إظهارها، والقدرة على التعبير عن المراد بالعبارات المرجحة لقوة الدعوى. وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله إنما يحكم في حقوق الناس بعضهم على بعض، بالبناء على الظاهر، وانه لا يجب أن يحكم بعلمه، فيحملهم على الأمور الباطنة، والا لفسد النظام الاجتماعي، ولكن ذلك الحكم لا يوجب تحليل ما هو محرم. فغير المحق لا يجوز له أن يأخذ ما ليس له بحق الحاكم، وإلا لكان مأثوما معاقبا، بل ظاهر الحديث يقتضى ان ذلك من الكبائر (معه).
(3) أقول: تحرير الخلاف في هذه المسألة، هو أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن الإمام عليه السلام يحكم بعلمه مطلقا، لعصمته المانعة من تطرق التهمة، وعلمه المانع من الخلاف.
والخلاف في غيره من الحكام، والأظهر عندهم أنه يعمل بعلمه مطلقا وادعى السيد عليه اجماع الطائفة وقال: انه من متفرداتهم من بين علماء الاسلام.
وقيل: لا يجوز مطلقا. وحكوه عن ابن الجنيد، بل الذي حكاه عنه المرتضى، انه عمم القول في الامام وغيره، وقال ابن إدريس: يجوز للحاكم العمل بعلمه في حقوق الناس دون حقوق الله. وحكى عن بعض القدماء، العكس. فهذا خلاصة تحرير الخلاف في المسألة.
قال شيخا الزيني عطر الله مرقده: وأصح الأقوال جواز قضاء الحاكم مطلقا، لان العلم أقوى من الشاهدين لأنهما يفيد الظن.
والعلامة في المختلف وغيره في غيره، استدلوا على رد قول ابن الجنيد في تعميمه الحكم بالامام بحكاية الاعرابي الذي ادعى على النبي صلى الله عليه وآله: سبعين درهما ثمن ناقة باعها منه، فقال عليه السلام: " قد أوفيتك " فقال الاعرابي: أجعل بيني وبينك حكما يحكم بيننا، فحكما أبا بكر، فطلب البينة عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم أتى علي (ع) فحكماه في تلك القضية، فقال يا أعرابي أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: إنه أوفاك السبعين الدرهم؟ فقال: لا، فأخرج سيفه فضرب عنقه! فقال: يا رسول الله نحن نصدقك على امر الله، والجنة والنار والوحي، ولا نصدقك في ثمن ناقة هذا الاعرابي. فقتلته لما كذبك. فقال: أصبت يا علي، فلا تعد إلى مثلها ثم التفت إلى أبي بكر وقال هذا حكم الله لا ما حكمت وروى الشيعة واقعة مثلها لعلي عليه السلام، وانه قتل أعرابيا تداعى معه صلى الله عليه وآله على ناقة اشتراها النبي منه ويمكن أن يقال في وجه الجمع بين أخبار هذا الباب، ان علم الحاكم سواء كان الامام أو غيره، إن كان مستندا إلى العلم بالاقرار أو الشهود أو الأمارات الشرعية المتعاضدة، حتى أفادت العلم جاز له العمل بها، بل وجب عليه لما ذكر. اما لو كان مستندا إلى العلم الإلهي والالهام النبوي فيمكن أن يقال: ان العمل به غير واجب، ويحمل حديث الكتاب عليه. وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم من أحوال المنافقين وغيرهم ما يوجب عليهم الحدود والقتل، وكان يتوعدهم بعلمه، وما عمل معهم ما يقتضيه علمه بل كان يعنف شهود الزنا وغيرهم، ويأمر بستر الزنا وغيره، ويعنفهم على الاقرار، وما خفى عليه صلى الله عليه وآله ما عرفه الشهود، بل كان يأخذ الناس ويحملهم على العلم الظاهر المستند إلى البينات والشهود، وكذلك أخوه وباب مدينة علمه سلام الله عليه.
نعم كان يتوصل بدقيق الفكر إلى إظهار الوقايع التي يعلمها سرا، حتى يظهر للناس ويتوافق العلم الظاهر والباطن.
وأما حكاية الاعرابي وقتلعلي عليه السلام له، فهو قد صرح بأنه قتله، لتكذيبه النبي صلى الله عليه وآله وكل من كذبه وجب عليه القتل، وهذا مما لا دخل له في الدعاوى، لأنه عليه السلام لم يقتصر على أخذ الناقة والثمن من الاعرابي. نعم لو كانت هذه هي المقدمة مع غير النبي من أحاد الناس لصحت دليلا على المدعى.
وأيضا قد روى في الأخبار الصحيحة أن مولانا المهدى سلام الله عليه إذا ظهر حكم بحكم آل داود، ولا يسأل بينة، بل يعمل بما يعلمه، وهذا الحكم من خواصه وأيضا جاء في الحديث ما روى عنه صلى الله عليه وآله في قضية الملاعنة (لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها) (جه).