مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج ٣ - الصفحة ٢٤٦
فلما نزل شقوق اتاه رجل فسأله عن العراق، فأخبره بحاله، فقال: ان الامر لله يفعل ما يشاء وربنا تبارك كل يوم في شأن فان نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وان حال القضاء ودون الرجاء فلم يبعد من الحق نفيه ثم أنشد فان تكن الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل وان تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به الحر يبخل وان تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في الكسب أجمل وان تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل عليكم سلام الله يا آل أحمد * فاني أراني عنكم سوف أرحل فلما نزل على شراف قال: رأيت النخيل، فقال رجلان أسديان كانا معه: هذا مكان ما رأينا به نخلا قط، قال الحسين: فما تريانه؟ فقالا: لا نراه والله إلا هوادي الخيل، فقال: أنا والله أرى ذلك، وامر أصحابه ان يستبقوا إذا هم بالحر الرياحي في الف رجل، فقام الحسين وصلى بأصحابه وصلى الحر معه، فلما سلم قال:
أيها الناس معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم، في كلام له حتى قال: فان تعطوني ما اطمئن عليه من عهودكم أقدم مصركم وان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم. فقال الحر: انا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فدعا الحسين بخرجين مملوئين كتبا فنثرها، فقال الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك إنما أمرنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله ابن زياد، فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. فلما انتهى إلى نينوى كتب ابن زياد إلى الحر: اما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن على غير ماء وقد أمرت رسولي ان لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري.
فأمر الحسين (ع) ان يشدوا الرحال، فجعلوا يلازمونه فطال بينهما المقال، فقال الحر: خذ على غير الطريق فوالله لئن قاتلت لتقتلن، فقال الحسين: أبالموت تخوفني!
وتمثل بقول أخي الأوس: (سأمضي فما بالموت عار على الفتى) الأبيات.
فاستدل على غير الجادة، فقال الطرماح بين عدي الطائي: انا المدل وجعل يرتجز يا ناقتي لا تجزعي من زجري * وامض بنا قبل طلوع الفجر بخير فتيان وخير سفر * آل رسول الله أهل الخير السادة البيض الوجوه الزهر * الطاعنين بالرماح السمر الضاربين بالسيوف البتر
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست