من حسرة. فقلت: جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام، وتقول: ويل لأصحاب الكلام، يقولون: هذا ينقاد، وهذا ينساق، وهذا لا ينساق، وهذا نعقله، وهذا لا نعقله!
فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما قلت: ويل لقوم تركوا قولي بالكلام، وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال: اخرج إلى الباب فمن ترى من المتكلمين فادخله!
قال: فخرجت فوجدت حمران بن أعين، وكان يحسن الكلام، ومحمد بن نعمان الأحول، وكان متكلما، وهشام بن سالم، وقيس الماصر، وكانا متكلمين وكان قيس عندي أحسنهم كلاما، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين، فأدخلتهم، فلما استقربنا المجلس وكنا في خيمة لأبي عبد الله عليه السلام، في طرف جبل في طريق الحرم، وذلك قبل الحج بأيام، فأخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب قال: هشام ورب الكعبة. قال: وكنا ظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل، وكان شديد المحبة لأبي عبد الله، فإذا هشام بن الحكم، وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر منه سنا، فوسع له أبو عبد الله عليه السلام وقال: (ناصرنا بقلبه ولسانه ويده) ثم قال لحمران:
كلم الرجل يعني: الشامي. فكلمه حمران وظهر عليه ثم قال: يا طاقي كلمه! فكلمه فظهر عليه محمد بن نعمان. ثم قال لهشام بن سالم: كلمه! فتعارفا ثم قال لقيس الماصر: كلمه! وأقبل أبو عبد الله عليه السلام يتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده، ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام! يعني: هشام بن الحكم فقال: نعم ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا يعني: أبا عبد الله عليه السلام؟
فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال له: أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه، أم خلقه لأنفسهم؟
فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه!
قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟
قال: كلفهم، وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم به، وأزاح في ذلك عللهم.