بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجب ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت، ولا نجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام وما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنك تصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.
روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليه السلام فخلا به ثم قال:
يا بن أخي قد علمت أن رسول الله كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي ابن أبي طالب عليه السلام، ثم إلى الحسن، ثم الحسين، وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلى عليه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وأنا في سني وقدمتي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني الوصية والإمامة، ولا تخالفني.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام: إتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، يا عم! إن أبي صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي، فلا تعرض لهذا فإني أخاف عليك بنقص العمر، وتشتت الحال وأن الله تبارك وتعالى أبى إلا أن يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحكم إليه ونسأله عن ذلك.
قال الباقر عليه السلام: وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين عليه السلام لمحمد:
ابتدء فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثم سله. فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليه السلام:
أما أنك يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك!
فقال له محمد: فادع أنت يا بن أخي! فدعا الله علي بن الحسين عليه السلام بما أراد ثم قال: (أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين، لما أخبرتنا بلسان عربي مبين من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي!