الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، (1) الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، (2) فطر الخلايق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه، (3) أول الدين معرفته،
(1) الهمم - جمع الهمة - وهي: العزم والجزم الثابت الذي لا يعتريه فتور.
والنيل: الإصابة. والفطن - جمع فطنة بالكسر - وهي: الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه.
بعد الهمم علوها وتعلقها بالأمور. العالية أي: إن الهمم وإن علت وبعدت لا يمكن أن تدركه مهما حلقت في سماء المدارك العالية، كما أن الفطن الغائصة في بحار الأفكار هي الأخرى لا تصل إلى كنه حقيقته.
(2) حد الشئ: منتهاه والنعت: الصفة والأجل: المدة المضروبة للشئ. أي ليس لصفاته الذاتية من القدرة: والاختيار، والعلم، والحياة، حد معين ينتهي إليه ويقف عنده كما هو الحال في الموجودات الممكنة فإنها جميعا لها حد تنقطع إليه وتقف عنده، كما أنها لا تنعت بنعوت موجودة أي: زائدة متغيرة، فعلمه مثلا لا ينعت: بالزيادة والنقصان - كما هو الحال بالنسبة لنا - وقدرته لا توصف بالقوة والضعف بل هو منزه عن كل هذه النعوت وصفاته عين ذاته، كما أنها أزلية فليس لها وقت معدود، وأبدية فليس لها أجل ممدود.
(3) فطر: خلق. والنشر: البسط. ووتد - بالتخفيف والتشديد - ثبت.
والميدان - بفتح الميم والياء - الحركة.
أي: سكن الأرض بعد اضطرابها وهي من قوله تعالى: " وجعلنا الجبال أوتادا " وقوله: " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ".