إليهم رسلا (1) من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إليه رسلا من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتوا بشئ نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.
فمنهم: من جاء بالطوفان بعد الاعذار والانذار، ففرق (2) جميع من طغى وتمرد، ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما، ومنهم: من أخرج من الحجر الصلد الناقة (3) وأجرى من ضرعها لبنا، ومنهم: (من) (4) فلق له البحر، وفجر له (من الحجر) (5) العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون، ومنهم: من أبرأ الأكمه [والأبرص] (6) وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلما أتوا بمثل ذلك، وعجز الخلق من أممهم (7) أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين، وأخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين (8)، وأخرى مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم، لأتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.
ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة