على أربعة أميال من الجحفة، فلما أن دخلت المسجد صليت وعفرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم، وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتى دخلت مكة فأقمت بها أياما أطوف البيت واعتكفت (1).
فبينا أنا ليلة في الطواف، إذا أنا بفتى حسن الوجه، طيب الرائحة، يتبختر في مشيته (2) طائف حول البيت، فحس قلبي به، فقمت نحوه فحككته، فقال لي من أين الرجل؟ فقلت: من أهل [العراق فقال: من أي] (3) العراق؟
قلت: من الأهواز.
فقال لي: تعرف (4) بها الخصيب (5)؟ فقلت: رحمه الله، دعي فأجاب، فقال: رحمه الله، فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم بن المازيار (6)؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم.
فقال: حياك الله أبا الحسن ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام؟ فقلت: معي قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلما أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت (7) عيناه (بالدموع) (8) وبكى منتحبا حتى بل أطماره، ثم قال: أذن لك الآن يا بن مازيار، صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك، حتى إذا لبس الليل جلبابه، وغمر الناس ظلامه، سر (9) إلى شعب بني عامر! فإنك ستلقاني هناك فسرت (10) إلى منزلي.