تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد - الصفحة ٦١
المراد به أنه [أراد منهم] (١) التوحيد، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد!
وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ (2) فبين أنه إنما خلقهم لعبادته.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول، قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه (3). وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [أنفسهم و] من أضلهم من الجن والإنس دون الله

(١) (ق): خلق فيهم.
(٢) الذاريات: ٥٦.
(٣) قال العلامة الشهرستاني في مجلة (المرشد - ص ٢٦ - ٢٧ ج ١): الفطرة هي ما يقتضيه الشئ لو خلي ونفسه وبدون مانع، فإذا قيل: (الصدق فطري في البشر) معناه أن الإنسان لو خلي ونفسه فإن حالته الفطرية تقتضي أن يصدق كلامه، وهذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب، وقد تزول عنه بمانع أقوى فيلتجئ إلى الكذب، كما أن القائل: سقوط الحجر إلى الأرض طبيعي، معناه:
أن الحجر المتحرك حول الأرض لو خلي ونفسه فحكمه السقوط إلى الأرض، وهذا لا يمنع أن يتخلف عن طبيعته لعارض وبسبب قاسر.
وعليه فكون دين الاسلام فطريا في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة، وبعبارة فنية (إن الفطرة اقتضاء لا ضرورة) كما يصرح بذلك حديث (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه).
وأما معنى فطرية دين الاسلام، فالراجح أنه بعنوانه المجموعي، أي إن الاسلام إذا قيس إلى أي دين آخر كان هو دين الفطرة دون غيره - كما أشار إليه الحديث النبوي المتقدم.
ومما يريك دين الاسلام بلباسه الفطري، أن حقيقة الاسلام هو أن يسلم المرء أمره إلى خالقه وأن يسالم المخلوقين، وهل هذا إلا قضية الفطرة.
قال سبحانه: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) (النساء: ١٢٥) أي:
المسلم لله والمسالم لعباده.
وقال نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه).
ثم إن الاسلام بني على توحيد الله في ذاته وصفاته وتوحيده في عنايته وعبادته، وهل هذا إلا الفطرة، وأسس شرعه على العدل والاحسان والفضيلة والمحبة، وكلها أحكام الفطرة.
فالاسلام بهذا المعنى دين الفطرة وشرع الحقيقة، وهذا المعنى هو دين الله الحقيقي، وهو أقدم شرائع البشر من عهد إبراهيم - عليه السلام - والذين من قبله، والقرآن يقول في إبراهيم - عليه السلام - إنه: (كان حنيفا مسلما) (آل عمران: 68) أي: متدينا بالدين الأصلي، أعني به إسلام الفرد نفسه لربه ومسالمته مع عباده. چ.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الكتاب 1
2 الشيخ المفيد - و - تصحيح الاعتقاد 19
3 مفتتح الكتاب 27
4 معنى كشف الساق 28
5 تأويل اليد 30
6 نفخ الأرواح 31
7 حكمة الكناية والاستعارة 33
8 المكر والخدعة من الله - معنى الله يستهزئ بهم 35
9 نسبة النسيان إلى الله 38
10 صفات الله 40
11 خلق أفعال العباد 42
12 فصل - كتاب الله مقدم على الأحاديث 44
13 الجبر والتفويض 46
14 المشيئة والإرادة 48
15 تفسير آيات القضاء والقدر 54
16 تفسير أخبار القضاء والقدر 57
17 معنى فطرة الله 60
18 معنى البداء 65
19 الجدال على ضربين: أحدهما بالحق والآخر بالباطل 68
20 في اللوح بالباطل 74
21 معنى العرش 75
22 في النفوس والأرواح 79
23 تفسير أخبار الذر 83
24 تفسير آية: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الآية 83
25 في الرجعة 89
26 فيما وصف به الشيخ أبو جعفر - ره - الموت 94
27 في المسألة في القبر 98
28 فيما ذكر الشيخ أبو جعفر - ره - في العدل 103
29 في الأعراف 106
30 في الصراط 108
31 في العقبات 112
32 في الحساب والميزان 114
33 في الجنة والنار 116
34 حد التكفير 119
35 في نزول الوحي 120
36 في نزول القرآن 123
37 تفسير آية: (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) في الإشارة إلى أن طبرس المنسوب إليه الامام الطبرسي 125
38 في العصمة 128
39 في الغلو والتفويض 131
40 في أن ما ذكره أبو جعفر - ره - من مضى نبينا والأئمة - عليهم السلام - بالسهم والقتل، منه ما ثبت ومنه ما لم يثبت 131
41 في التقية 137
42 في أن آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا موحدين 139
43 في تفسير آية: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) 140
44 في الحظر والإباحة 143
45 في الطب 144
46 في الأحاديث المختلفة 146
47 إجازة سماحة الإمام آل كاشف الغطاء مد ظله للواعظ الچرندابي كتبا 154
48 كلمة غالية، للكاتب الكبير عماد الدين الأصبهاني 155