من مصالح الخلق ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل علل ما خلق وأمر به وتعبد، وإن كان قد أعلم في الجملة (١) أنه لم يخلق الخلق عبثا وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة، ودل على ذلك بالعقل والسمع.
فقال سبحانه: ﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين﴾ (٢) وقال:
﴿أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا﴾ (٣) وقال: ﴿إنا كل شئ خلقناه بقدر﴾ (٤) يعني بحق ووضعناه في موضعه وقال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ (٥) وقال فيما تعبد به: ﴿لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم﴾ (6).
وقد يصح أن يكون الله تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه (7) بأنه يؤمن عند خلقه كفار، أو يتوب عند ذلك فساق، أو ينتفع به مؤمنون، أو يتعظ به ظالمون، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء وذلك مغيب عنا، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لأغراض حكيمة (8) ولم يصنعه عبثا، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لأنها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن (9) معصيته، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم، فلما خفيت هذه الوجوه (1) وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل على التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو نهي عن طلب علل لها مفصلة، فلم يكن نهيا عن